كتاب الزكاة وهي واجبة على كل مسلم حر ملك نصابًا ملكًا
تامًا
(1) ولا زكاة في مال حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الزكاة]
(وهي واجبة على كل مسلم حر ملك نصابًا ملكًا تامًا)
لأنها أحد مباني الإسلام أشبهت الحج.
ولا تجب الزكاة إلا بشروط:
منها: الإسلام، فلا تجب على كافر لأنها من فروع الإسلام
أشبهت الصيام.
الشرط الثاني: الحرية، فلا تجب على عبد لأن ما في يده
لسيده، فإن ملكه سيده مالًا وقلنا لا يملك فزكاته على سيده لأنه مالكه، وإن قلنا
يملك فلا زكاة فيه لأن سيده لا يملكه، وملك العبد ضعيف لا يحتمل المواساة.
ولا تجب على مكاتب كذلك.
مسألة 1: (ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) وهو
الشرط الثالث (إلا في الخارج من الأرض) لما روى ابن ماجه عن عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقول: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» أخرجه الترمذي، وهو عام
في كل مال زكاتي لأن المراد به المواشي والأثمان وعروض التجارة، وخرج منه الخارج
من الأرض كالزرع والثمار والمعدن، والفرق بينهما أن ما اعتبر فيه الحول مرصد للنماء:
فالماشية للدر والنسل، وعروض التجارة للربح، وكذا الأثمان، فاعتبر لها الحول لأنه
مظنة النماء ليكون إخراج الزكاة من الربح فإنه أسهل وأيسر، ولم تعتبر حقيقة النماء
لعدم ضبطه فاعتبرت مظنته وهو الحول ولم يلتفت إلى الحقيقة كالحكم مع سببه، وأما
الخارج من
(1/135)
يحول عليه الحول إلا في الخارج من الأرض
(2) ونماء النصاب من النتاج والربح، فإن حولهما حول
أصلهما
(3) ولا تجب الزكاة إلا في أربعة أنواع: السائمة من
بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والأثمان، وعروض التجارة
(4) ولا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ نصابًا
(5) وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه إلا السائمة فلا
شيء في أوقاصها
باب زكاة السائمة وهي الراعية وهي ثلاثة أنواع: أحدها:
الإبل، ولا شيء فيها حتى تبلغ خمسًا فيجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الأرض فإنه نماء في نفسه يتكمل دفعة واحدة فتؤخذ زكاته
دفعة واحدة عند تكمل نمائه ثم لا شيء فيه بعد ذلك لعدم إرصاده للنماء، إلا أن
الخارج من المعدن إذا كان ذهبًا أو فضة فإن الزكاة تؤخذ منه ثانيًا عند تمام كل
حول لكونه مظنة النماء.
مسألة 2: (ونماء النصاب من النتاج والربح، فإن حولهما
حول أصلهما) لأنهما تبع لأصلهما ومتولدان منه.
مسألة 3: (ولا تجب الزكاة إلا في أربعة أنواع: السائمة
من بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والأثمان، وعروض التجارة) وسيأتي ذلك في
موضعه، ولا تجب في غير ذلك لأن الأصل عدم الزكاة فيبقى على الأصل.
مسألة 4: (ولا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ نصابًا) وذلك
ثابت بالإجماع والأخبار الصحاح، أخبار صدقات المواشي: «في خمس من الإبل شاة، وفي خمس
وعشرين بنت مخاض، وفي ثلاثين من البقر تبيع، وفي أربعين من الغنم شاة» روى ذلك
البخاري.
مسألة 5: (وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه إلا في
السائمة) على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
[باب زكاة السائمة]
(هي الراعية) في أكثر الحول، لأنها لا تخلو من علف في
بعضه، فاعتباره في الحول يمنع الوجوب بالكلية فاعتبر في معظمه، (وهي ثلاثة أنواع:
أحدها الإبل ولا شيء فيها
(1/136)
فيها شاة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي
العشرين أربع شياه، إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض وهي بنت سنة، فإن لم تكن عنده
فابن لبون، وهو ابن سنتين، إلى ست وثلاثين فيجب فيها بنت لبون، إلى ست وأربعين
فيجب فيها حقة لها ثلاث سنين، إلى إحدى وستين فيجب فيها جذعة لها أربع سنين، إلى
ست وسبعين ففيها ابنتا لبون، إلى إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا
زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون،
ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حتى تبلغ خمسًا فيجب فيها شاة) ، لما روى البخاري عن أنس
«أن أبا بكر كتب له حين وجهه إلى البحرين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،
هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المسلمين
والتي أمر الله بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في أربع
وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، (فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين
ففيها بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى
خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستًا وأربعين ففيها حقة طروقة الجمل،
فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستًا وسبعين إلى تسعين
ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل)
فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن
معه إلا أربع من الإبل فليست فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسًا من
الإبل ففيها شاة، وهذا مجمع عليه إلى أن تبلغ عشرين ومائة، قاله ابن المنذر (فإذا
زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون) لأن في حديث الصدقات الذي كتبه
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان عند آل عمر " فإذا كانت
إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون» وهو حديث حسن [رواه ابن ماجه] وبنت
المخاض التي لها سنة وقد حملت أمها فهي بنت مخاض يعني بنت حامل، وبنت اللبون التي
لها سنتان سميت بذلك لأن أمها ولدت غيرها
(1/137)
(6) في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، إلى
مائتين فيجتمع فيها الفرضان: فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون
(7) ومن وجبت عليه سن فلم يجدها أخرج أدنى منها ومعها
شاتان أو عشرون درهمًا، وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ شاتين أو عشرين درهمًا)
(النوع الثاني: البقر، ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة لها سنة،
إلى أربعين ففيها مسنة لها سنتان، إلى ستين ففيها تبيعان، إلى سبعين ففيها تبيع
ومسنة، ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فهي ذات لبن، والحقة لها ثلاث سنين سميت بذلك لأنها
استحقت أن يطرقها الفحل، والجذعة لها أربع سنين.
مسألة 6: (في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون إلى
مائتين فيجتمع فيها الفرضان، فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء أخرج خمس بنات لبون)
للخبر.
مسألة 7: (ومن وجبت عليه سن فلم يجدها أخرج أدنى منها
ومعها شاتان أو عشرون درهمًا، وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ شاتين أو عشرين درهمًا)
، لما روى أنس في كتاب الصدقات الذي كتبه أبو بكر قال: ومن «بلغت عنده من الإبل صدقة
الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن
استيسرنا له أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة
فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة
وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت اللبون ويعطي شاتين أو عشرين درهمًا،
ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو
عشرين درهمًا» والخيرة في ذلك كله لرب المال للخبر.
(النوع الثاني: البقر، ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين
فيجب فيها تبيع أو تبيعة لها سنة، إلى أربعين ففيها مسنة لها سنتان، إلى ستين
ففيها تبيعان، إلى سبعين ففيها تبيع ومسنة، ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين
مسنة) لما روى الإمام أحمد بإسناده عن يحيى بن الحكم «أن معاذًا قال: بعثني رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من
البقر من كل ثلاثين تبيعًا، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين
مسنة وتبيعًا، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة
وتبيعين، ومن
(1/138)
(النوع الثالث: الغنم، ولا شيء فيها حتى تبلغ أربعين
ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت
واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم في كل مائة شاة
(8) ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا ذات عوار ولا هرمة
(9) ولا الربى ولا الماخض ولا الأكولة
(10) ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
العشر ومائة مسنتين وتبيعا ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات
أو أربعة أتباع، وأمرني ألا آخذ فيما بين ذلك إلا أن تبلغ مسنة أو جذعا» . (النوع
الثالث: الغنم، ولا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا
زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم في كل مائة
شاة) لما روى أنس في كتاب الصدقات: «وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى عشرين
ومائة شاة، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين
إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة. فإذا
كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها» .
وعن الإمام أحمد أن في ثلاث مائة وواحدة أربع شياه، ثم في كل مائة شاة، اختارها
أبو بكر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الثلاث مائة غاية
فيجب تعيين الفرض بالزيادة عليها، والأول أصح، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل حكمها إذا زادت على ثلاث مائة في كل مائة شاة، فإيجاب
أربع فيما دون الأربع مائة يخالف الخبر، وإنما جعل الثلاث مائة حدًا لاستقرار الفرض.
مسألة 8: (ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار
وهي المعيبة) لقوله سبحانه: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
[البقرة: 267] وروى أنس في كتاب الصدقات: «ولا يجزئ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار
ولا تيس» [رواه البخاري] .
مسألة 9: (ولا تؤخذ الربى) وهي التي تربي ولدها لأجل
ولدها، ولا الحامل التي حان ولادها وهي (الماخض، ولا الأكولة) وهي السمينة.
مسألة 10: (ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه) لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله لم يسألكم خيره ولا يأمركم بشره»
رواه أبو داود، «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: " إياك
وكرائم
(1/139)
(11) إلا أن يتبرع به أرباب المال
(12) ولا يخرج إلا أنثى صحيحة إلا في الثلاثين من البقر
وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها
(13) إلا أن تكون ماشية كلها ذكور أو مراض فيجزئ واحد
منها
(14) ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من المعز والسن
المنصوص عليها
(15) إلا أن يختار رب المال إخراج سن أعلى من الواجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أموالهم» متفق عليه، وقال الزهري: إذا جاء المصدق قسم
الشاة ثلاثًا، ثلثًا خيارًا وثلثًا شرارًا وثلثًا وسطًا، ويأخذ المصدق من الوسط.
مسألة 11: (إلا أن يتبرعوا به) يعني أرباب المال إذا
تبرعوا بالخيار جاز أخذه لأن المنع من أخذه لحقه فجاز برضاه كما لو دفع فرضين مكان
فرض.
مسألة 12: (ولا يخرج إلا الأنثى الصحيحة إلا في ثلاثين
من البقر وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها) لورود النص فيها فيما سبق ولفضيلة
الأنثى بدرها ونسلها.
مسألة 13: (إلا أن تكون ماشية كلها ذكور فتجزئ واحدة
منها) لأنها الزكاة وجبت مواساة، والمواساة إنما تكون بجنس المال.
مسألة 14: (ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من
المعز) وهي التي لها سنة، وجذع الضأن له ستة أشهر، (والسن المنصوص عليها) قال سويد
بن غفلة: «أتانا مصدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: أمرنا أن
نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز» ولأن جذعة الضأن تجزئ من الأضحية بخلاف
جذعة المعز بدليل قوله لأبي بردة في جذعة المعز: «تجزيك ولا تجزئ عن أحد بعدك»
[رواه ابن ماجه] .
مسألة 15: (إلا أن يختار رب المال إخراج سن أعلى من
الواجب) لما روى أبو داود عن أبي بن كعب «أن رجلًا قدم على النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي فزعم أن
مالي فيه بنت مخاض فعرضت عليه ناقة فتية سمينة، فقال له رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
" ذلك الذي وجبت عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله
فيه وقبلناه
(1/140)
(16) أو تكون كلها صغارًا فيخرج صغيرة،
(17) وإن كان فيها صحاح ومراض وذكور وإناث وصغار وكبار
أخرج صحيحة كبيرة قيمتها على قيمة المالين
(18) فإن كان فيها بخاتي وعراب وبقر وجواميس ومعز وضأن
وكرام ولئام وسمان ومهازيل أخذ من أحدهما بقدر قيمة المالين
(19) وإن اختلط جماعة في نصاب من السائمة حولًا كاملًا
وكان مرعاهم وفحلهم ومبيتهم ومحلبهم ومشربهم واحدًا فحكم زكاتها حكم زكاة الواحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
منك " فقال: ها هي ذه يا رسول الله، فأمر رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقبضها ودعا له بالبركة» [رواه أبو داود] .
مسألة 16: (أو تكون ماشيته كلها صغارًا فيخرج صغيرة) ،
ويتصور ذلك إذا كان عنده نصاب كبار فأبدلها بصغار في أثناء الحول، أو تولدت الكبار
ثم ماتت وحال الحول على الصغار، فيجوز إخراج الصغيرة، لقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لقاتلتهم عليها [رواه البخاري] ولا تؤدى العناق إلا عن الصغار.
مسألة 17: (وإن كان فيها صحاح ومراض وذكور وإناث أخرج
صحيحة كبيرة على قدر المالين) لأن الزكاة وجبت مواساة فيجب أن تكون من رأس المال.
مسألة 18: (وإن كان فيها بخاتي وعراب وبقر وجواميس ومعز
وضأن وكرام ولئام وسمان ومهازيل أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين) فإن
كانت قيمة الفرض من أحدهما عشرة ومن الآخر عشرين أخذ من أيهما شاء ما قيمته خمسة
عشر إلا أن يرضى رب المال بإخراج الأجود.
مسألة 19: (وإن اختلط جماعة في نصاب من السائمة حولًا
كاملًا وكان مرعاهم وفحلهم ومبيتهم ومشربهم واحدًا فحكم زكاتهم حكم زكاة الواحد)
سواء كانت خلطة أعيان بأن تكون مشاعًا بينهما أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منهما
متميزًا فخلطاه واشتركا في المراح والمسرح والمحلب والمشرب والراعي والفحل، فإن
اختل شرط منها أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه،
والأصل في الخلطة ما روى أنس في حديث الصدقات: «ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين
(1/141)
(21) وإذا أخرج الفرض من مال أحدهم رجع على خلطائه
بحصصهم منه
(22) ولا تؤثر الخلطة إلا في السائمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان
بينهما بالسوية» ولأن المالين صارا كالمال الواحد في الكلف فكذلك في الصدقة.
1 -
مسألة 20: ويعتبر للخلطة شروط أربعة:
الأول: أن يكون الخليطان من أهل الزكاة، فإن كان أحدهما
مكاتبًا أو ذميًا فلا أثر لخلطته لأنه لا زكاة في ماله فلم يكمل النصاب به.
الثاني: أن يختلطا في نصاب، فإن كان دونه مثل ثلاثين شاة
لم تؤثر الخلطة سواء كان لهما مال سواه أو لم يكن لأن المجتمع دون النصاب.
الثالث: أن تكون الخلطة في السائمة فلا تؤثر في غيرها
لأن النص اختص بها.
الرابع: أن يختلطا في ستة أشياء لا يتميز أحدهما عن
صاحبه فيها وهي: المسرح، والمشرب والمحلب، والمراح، والراعي، والفحل؛ لما روى
الدارقطني بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة» ، والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي، نص
على هذه الثلاثة فنبه على سائرها، ولأنه إذا تميز كل مال بشيء مما لهما حكم
الانفراد في بعضه زكيا زكاة المنفردين فيه، لأن الخلطة معنى يتعلق به إيجاب الزكاة
فاعتبرت في جميع الحول كالنصاب.
مسألة 21: (وإذا أخرج الفرض من مال أحدهم رجع على خلطائه
بحصصهم منه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان
بينهما بالسوية» رواه أنس في حديث الصدقات [أخرجه البخاري] .
مسألة 22: (ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة) وعنه تؤثر
في شركة الأعيان لعموم الخبر، ولأنه مال تجب فيه الزكاة فأثرت فيه الخلطة
كالسائمة، ودليل الأولى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخليطان ما
اجتمعا على الحوض والراعي والفحل» رواه الدارقطني، وهذا مفسر
(1/142)
باب زكاة الخارج من الأرض وهو نوعان: أحدهما: النبات،
فتجب الزكاة منه في كل حب وثمر يكال ويدخر إذا خرج من أرضه وبلغ خمسة أوسق، لقول
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى
يبلغ خمسة أوسق» . والوسق ستون صاعًا والصاع رطل بالدمشقي وأوقية وخمسة أسباع
أوقية، فجميع النصاب ما قارب ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلاً وستة أسباع رطل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للخلطة شرعًا فيجب تقديمه، ولأن الخلطة في السائمة أثرت
في الضرر كتأثيرها في النفع، وفي غيرها لا تؤثر في النفع لعدم الوقص فيها، وقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة» دليل على اختصاص
ذلك بالسائمة التي تقل الصدقة بجمعها لأجل الأوقاص بخلاف غيرها.
[باب زكاة الخارج من الأرض]
(وهو نوعان: أحدهما: النبات، فتجب الزكاة فيه في كل حب
وثمر يكال ويدخر) لقوله سبحانه: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف
العشر» أخرجه البخاري.
مسألة 23: ولا تجب إلا بخمسة شروط:
أحدها: أن يكون حبًا أو ثمرًا لقول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في ثمر ولا حب حتى يبلغ خمسة أوسق» وهذا
يدل على وجوبها في الحب والثمر وانتفائها من غيرهما.
الثاني: أن يكون مكيلا لتقديره بالأوسق وهي مكاييل فيدل
ذلك على اعتبارها.
الثالث: أن يكون مما يدخر لأن جميع ما اتفق على زكاته
مدخر، ولأن غير المدخر لم تكمل ماليته لعدم التمكن من الانتفاع به في المال.
(1/143)
(24) ويجب العشر فيما سقي من السماء والسيوح، ونصف العشر
فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح
(25) وإذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب وجبت الزكاة)
(26) ولا يخرج الحب إلا مصفى ولا الثمر إلا يابسًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الرابع: أن يبلغ نصابًا قدره بعد التصفية في الحبوب
والجفاف في الثمار خمسة أوسق لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» [رواه البخاري] ، والوسق ستون صاعًا حكاه ابن
المنذر إجماعًا، والصاع خمسة أرطال وثلث، والمجموع ثلاثمائة صاع وهي ألف وستمائة رطل
بالعراقي، والرطل مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وهو بالرطل
الدمشقي المقدر بستمائة درهم ثلاثمائة رطل واثنان وأربعون رطلا وستة أسباع رطل.
والأوساق مكيلة ونقلت إلى الوزن لتحفظ وتنقل، قال الإمام أحمد: وزنته - يعني
الصاع - فوجدته خمسة أرطال وثلثًا حنطة، وهذا يدل على أن قدره ذلك من الحبوب
الثقيلة.
الشرط الخامس: أن يكون النصاب مملوكًا له وقت وجوب
الزكاة لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:
24] فلا تجب فيما يكتسبه باللقاط ولا ما يأخذه بحصاده ولا ما يجتنيه من المباح
كالبطم والزعبل ونحوه.
مسألة 24: (ويجب العشر فيما سقي من السماء والسيوح، ونصف
العشر فيما سقي بكلفة) للخبر في أول الباب.
مسألة 25: (وإذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب وجبت
الزكاة) لأنه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات فأشبه اليابس، وقبله لا يقصد لذلك فهو
كالرطبة.
مسألة 26: (ولا يخرج الحب إلا مصفى ولا الثمر إلا
يابسًا) لما روى عتاب بن أسيد قال: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبًا كما تؤخذ زكاة النخل
تمرًا» رواه أبو داود، ولأنه أوان الكمال وحال الادخار، فلو
(1/144)
(27) ولا زكاة فيما يكتسبه من مباح الحب والثمر، ولا في
اللقاط، ولا يأخذه أجرة لحصاده
(28) ولا يضم صنف من الحب والثمر إلى غيره في تكميل
النصاب
(29) فإن كان صنفًا واحدًا مختلف الأنواع كالتمور ففيها
الزكاة
(30) ويخرج من كل نوع زكاته وإن أخرج جيدًا عن الرديء
جاز وله أجره النوع الثاني: المعدن، فمن استخرج من معدن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أخرج الزكاة قبل الجفاف لم يجزه ولزمه الإخراج بعد
التجفيف، لأنه أخرج غير الفرض فلم يجزه كما لو أخرج الصغيرة من الماشية عن الكبار.
مسألة 27:
(ولا زكاة فيما يكسبه من مباح الحب والثمر، ولا في
اللقاط، ولا فيما يأخذه أجرة لحصاده) لأن هذه الأشياء إنما تملك بحيازتها وأخذها،
والزكاة إنما تجب في الحبوب والثمار إذا بدا صلاحها، وفي تلك الحال لم تكن ملكًا
له فلا يتعلق به الوجوب ويصير كما لو وهب نصابًا بعد بدو صلاحه أو اشتراه أو ملكه
بجهة من الجهات لم تجب زكاته اتفاقًا.
مسألة 28: (ولا يضم صنف من الحب والثمر إلى غيره في
تكميل النصاب) لأنهما جنسان مختلفان فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالماشية.
مسألة 29: (فإن كان صنفًا واحدًا مختلف الأنواع كالتمور
ففيه الزكاة) يعني أنها يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب كما تضم أنواع الحنطة
وأنواع الذهب وأنواع الفضة لا نعلم في ذلك خلافًا.
مسألة 30: (ويخرج من كل صنف على حدته) لأن الفقراء
بمنزلة الشركاء فيه، ولا يخرج الرديء عن الجيد لقوله سبحانه: {وَلا تَيَمَّمُوا
الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
[البقرة: 267] (وإن أخرج الجيد عن الرديء جاز وله أجره)
ولا يلزمه ذلك لأن الزكاة على سبيل المواساة، ولا مشقة فيما ذكرناه لأنه لا يحتاج
إلى تشقيص.
(النوع الثاني: المعدن، فمن استخرج من معدن نصابًا من
الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصابًا من الجواهر أو الكحل والصفر والحديد أو غيره
فعليه الزكاة) في الحال ربع العشر من قيمته لقول الله سبحانه: {وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وروى الجوزجاني بإسناده عن بلال
بن الحارث المزني «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ من معادن
القبيلة الصدقة وقدرها ربع
(1/145)
نصابًا من الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصابًا من الجواهر
أو الكحل والصفر والحديد أو غيره فعليه الزكاة
(31) ولا يخرج إلا بعد السبك والتصفية
(32) ولا شيء في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والمسك
(33) ولا شيء في صيد البر والبحر
(34) وفي الركاز الخمس
(35) أي نوع كان من المال قل أو كثر
(36) ومصرفه مصرف الفيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
العشر» ولأنها زكاة في الأثمان فأشبهت زكاة سائر
الأثمان، أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة، ولا يعتبر لها حول لأنه يراد
لتكامل النماء وبالوجود يصل إلى النماء فلم يعتبر له حول كالعشر.
مسألة 31: (ولا يخرج إلا بعد السبك والتصفية) كالحب
والثمرة.
مسألة 32: (ولا شيء في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك)
، لأن ابن عباس قال: لا شيء في العنبر إنما هو شيء ألقاه البحر، ولأنه كان على عهد
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفائه فلم تسبق فيه سنة، وعلى
قياسه اللؤلؤ والمرجان، وعنه في العنبر الزكاة، لأنه معدن أشبه معدن البر، والسمك
صيد أشبه صيد البر، وعنه فيه الزكاة قياسًا على العنبر.
مسألة 33: (ولا شيء في صيد البر والبحر) ، لأنه صيد
والصيد لا زكاة فيه لأنه من المباحات فأشبه اللقاط.
مسألة 34: (وفي الركاز الخمس) لما روى أبو هريرة عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «في الركاز الخمس» متفق
عليه، ولأنه مال مظهور عليه بالإسلام فوجب فيه الخمس كالغنيمة.
مسألة 35: (وتجب في قليله وكثيره من أي نوع كان) من غير
حول لذلك. وتجب على كل واجد له من أهل الزكاة وغيرهم لذلك.
مسألة 36: (ومصرفه مصرف الفيء) لذلك، ولأنه روي عن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه رد بعض خمس الركاز على واجده ولا يجوز ذلك في الزكاة،
وعنه أنه زكاة، فمصرفه مصرفها اختاره الخرقي لأن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أمر واجد الركاز
أن يتصدق به على المساكين، ولأنه حق تعلق بمستفاد من الأرض فأشبه صدقة المعدن.
(1/146)
(37) وباقيه لواجده
باب زكاة الأثمان وهي نوعان: ذهب وفضة، ولا زكاة في
الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم، ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين
مثقالًا فيجب فيها نصف مثقال
(39) فإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 37: (وباقيه لواجده) إن وجده في موات أو أرض لا
يعلم مالكها، لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في الركاز الخمس»
دلالة على أن باقيه لواجده، وإنما اشترط ذلك لأنه إذا وجده في أرض غير موات أو أرض
يعلم مالكها آدميًا معصومًا أو كانت منتقلة إليه ففيه روايتان: إحداهما: [أنه يملكه]
أيضًا لأنه لا يملكه بملك الأرض؛ لأنه ليس من أجزائها إنما هو مودع فيها، فجرى
مجرى الصيد والكلأ يملكه من ظفر به كالمباحات كلها.
1 -
مسألة 38: وإذا ادعاه مالك الأرض فهو له مع يمينه لثبوت
يده على محله. والرواية الأخرى: هو لمالك الأرض أو لمن انتقلت عنه إن اعترف
به، فإن لم يعترف به فهو لأول مالك لأنه في ملكه فكان له كحيطانه.
[باب زكاة الأثمان]
(وهي نوعان: ذهب وفضة، ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي
درهم فيجب فيها خمسة دراهم، ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالًا فيجب فيها نصف
مثقال) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أنه قال: «ليس في أقل من عشرين مثقالًا من الذهب ولا أقل من مائتي درهم صدقة»
رواه أبو عبيد. والواجب ربع العشر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«في الرقة ربع العشر» رواه البخاري وأبو داود، وروى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس عليك في ذهبك شيء حتى
يبلغ عشرين مثقالًا، فإذا بلغ عشرين مثقالًا ففيها نصف مثقال» [رواه أبو داود] .
والرقة الدراهم المضروبة وهي دراهم الإسلام التي وزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل
بغير خلاف.
مسألة 39: (فإن كان فيها غش فلا زكاة فيها، حتى يبلغ قدر
الذهب والفضة نصابًا)
(1/147)
كان فيهما غش فلا زكاة فيهما حتى يبلغ قدر الذهب والفضة
نصابًا، فإن شك في ذلك خير بين الإخراج وبين سبكهما ليعلم قدر ذلك
(40) ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال والعارية
ويباح للنساء كل ما جرت العادة بلبسه من الذهب والفضة، ويباح للرجال من الفضة
الخاتم وحلية السيف والمنطقة ونحوها، فأما المعد للكراء أو الادخار، والمحرم ففيه
الزكاة
باب حكم الدين من كان له دَين على مليء أو مال يمكن
خلاصه كالمجحود الذي له به بينة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للخبر (فإن شك في ذلك خير بين الإخراج وبين سبكهما ليعلم
قدر ذلك) أو يستظهره فيخرج ليسقط الفرض بيقين.
مسألة 40: (ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال
والعارية) في ظاهر المذهب لما روى جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه قال: «ليس في الحلي زكاة» رواه الترمذي، ولأنه مصروف عن جهة
النماء إلى استعمال مباح تجب فيه زكاة كثياب البدن، وحكى ابن أبي موسى عنه أن فيه الزكاة
لعموم الأخبار.
مسألة 41: (ويباح للنساء كل ما جرت عادتهن بلبسه من
الذهب والفضة، ويباح للرجال من الفضة الخاتم وحلية السيف والمنطقة ونحوه، فأما
المعد للكراء أو للادخار ففيه الزكاة) إذا بلغ نصابًا لأنه معد للنماء فهو
كالمضروب.
مسألة 42: وأما المحرم الذي يتخذه الرجل لنفسه من الطوق
وخاتم الذهب ففيه الزكاة لأنه فعل محرم فلم يخرج به عن أصله.
[باب حكم الدين]
(ومن كان له دين على مليء أو مال يمكن خلاصه كالمجحود
الذي له بينة والمغصوب الذي يتمكن من أخذه فعليه زكاته إذا قبضه لما مضى) [كالدين
ولو درهما] لأنه مال مملوك ملكًا تامًا بلغ نصابًا فوجبت فيه الزكاة كالذي في يده.
(1/148)
والمغصوب الذي يتمكن من أخذه، فعليه زكاته إذا قبضه لما
مضى
(43) وإن كان متعذرًا كالدين على مفلس أو على جاحد ولا
بينة به، والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده فلا زكاة فيه
(44) وحكم الصداق حكم الدين ومن كان عليه دين يستغرق
النصاب الذي معه أو ينقصه فلا زكاة فيه
باب زكاة العروض ولا زكاة فيها حتى ينوي بها التجارة وهي
نصاب حولًا ثم يقومها فإذا بلغت أقل نصابا من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها
(46) وإن كان عنده ذهب أو فضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 43: (وإن كان متعذرًا كالدين على مفلس أو على جاحد
لا بينة به، والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده، فلا زكاة فيه) لأن ملكه فيه غير
تام لأنه غير مقدور عليه.
مسألة 44: (وحكم الصداق حكم الدين) كذلك (ومن كان عليه
دين يستغرق النصاب الذي معه أو ينقصه فلا زكاة فيه) كذلك.
[باب زكاة العروض]
(ولا زكاة فيها حتى ينوي بها التجارة وهي نصاب حولًا ثم
يقومها فإذا بلغت أقل نصابا من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها) لما روى سمرة
بن جندب قال: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرنا أن نخرج الصدقة
مما نعده للبيع» رواه أبو داود، وقال: إسناده مقارب، ولأنه مال تام فتعلقت به
الزكاة كالسائمة، وإنما اعتبر أقل نصابا من الذهب أو الفضة لأن التقويم لحظ
الفقراء فيعتبر ما لهم الحظ فيه.
1 -
مسألة 45: وتؤخذ الزكاة من قيمتها لا من أعيانها، لأن
نصابها معتبر بالقيمة لا بالعين، وما اعتبر النصاب فيه وجبت الزكاة فيه كسائر
الأموال، وقدر زكاته ربع العشر لأنها تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة الأثمان.
مسألة 46: (وإن كان عنده ذهب أو فضة ضمها إلى قيمة
العروض في تكميل
(1/149)
ضمها إلى قيمة العروض في تكميل النصاب
(47) وإذا نوى بعروض التجارة القنية فلا زكاة فيها ثم إن
نوى بها بعد ذلك التجارة استأنف له حولًا.
باب زكاة الفطر
وهي واجبة على كل مسلم إذا ملك فضلًا عن قوته وقوت عياله
ليلة العيد ويومه
(48) وقدر الفطرة صاع من البر أو الشعير أو دقيقهما أو
سويقهما أو من التمر أو الزبيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
النصاب) لأنه معد للنماء. والزكاة تجب في القيمة وهي إما
ذهب وإما فضة فوجبت الزكاة في الجميع كما لو كان الكل للتجارة.
مسألة 47: (وإذا نوى بعروض التجارة القنية فلا زكاة
فيها) لأن القنية الأصل (ثم إن نوى بها بعد ذلك التجارة) ففيه روايتان: إحداهما:
يصير للتجارة بمجرد النية اختارها أبو بكر للخبر، ولأنه يصير للقنية بمجرد النية فكذلك
للتجارة. والثانية: لا يصير للتجارة حتى يتبعه بنية التجارة لأن ما لا تتعلق به الزكاة
من أصله لا يصير لها بمجرد النية كالمعلوفة إذا نوى بها الإسامة، وفارق نية القنية
لأنها الأصل فيكفي فيها مجرد النية كالإقامة مع السفر.
[باب زكاة الفطر]
(وهي واجبة على كل مسلم) تلزمه مؤنة نفسه (إذا فضل عن
قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته) صاع، لما روى ابن عمر قال: «فرض رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر
والمملوك من المسلمين صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، فعدل الناس به نصف صاع من بر
على الصغير والكبير، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد» متفق عليه.
مسألة 48: (وقدر الفطرة صاع من البر أو الشعير أو
دقيقهما أو سويقهما أو من التمر أو الزبيب) لما روى أبو سعيد قال: «كنا نعطيها في
زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صاعًا من طعام أو صاعًا من
تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط أو صاعًا من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت
السمراء قال: إن مدًا من هذا يعدل مدين. قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه»
متفق عليه.
(1/150)
(49) فإن لم يجده أخرج من قوته أي شيء كان صاعًا
(50) ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته
ليلة العيد إذا ملك ما يؤدى عنه
(52) فإن كانت مؤنته تلزم جماعة كالعبد المشترك، أو
المعسر القريب لجماعة، ففطرته عليهم على حسب مؤنته
(53) وإن كان بعضه حرًا ففطرته عليه وعلى سيده
(54) ويستحب إخراج الفطرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 49: (فإن لم يجده أخرج من قوته أي شيء كان صاعًا)
سواء كان حبًا أو لحم حيتان أو أنعام، وهو اختيار ابن حامد، لأن مبناها على
المواساة. وعند أبي بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص من كل مقتات من الحب والثمر
كالذرة والدخن والأرز وأشباهه لأنه بدل عنه.
مسألة 50: (وإن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه
مؤنته ليلة العيد إذا ملك ما يؤدى عنه) ، لأن الفطرة تابعة للنفقة، فهذا إذا فضل
عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته ما يخرج عن نفسه وعمن لزمته نفقته لزمه ذلك
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدوا عمن تمونون» ، وقدمت النفقة
على الفطرة لأنها أهم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابدأ بنفسك»
رواه مسلم، وفي لفظ: «ابدأ بمن تعول» رواه الترمذي.
1 -
مسألة 51: ويشترط في وجوبها دخول وقت الوجوب، وهو غروب
الشمس من ليلة الفطر، «لقول ابن عمر: فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - زكاة الفطر من رمضان»
وذلك يكون لغروب الشمس، فمن أسلم أو تزوج أو ولد أو ملك
عبدًا أو أيسر بعد الغروب أو ماتوا قبل الغروب لم تلزمه فطرتهم، وإن غربت وهم عنده
ثم ماتوا فعليه فطرتهم لأنها تجب في الذمة فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار.
مسألة 52: (فإن كانت مؤنته تلزم جماعة كالعبد المشترك
فيه فعليهم صاع) لأن عليهم نفقته، فعلى كل واحد من فطرته بقدر ما يلزمه من نفقته؛
لأنها تابعة لها فتقدر بقدرها، وعنه على كل واحد فطرة كاملة لأنها طهرة فوجب
تكميلها ككفارة القتل.
مسألة 53: (وكذلك الحكم فيمن بعضه حر) على ما ذكرنا.
مسألة 54: (ويستحب إخراج الفطرة يوم العيد قبل الصلاة)
للخبر في أول الباب،
(1/151)
يوم العيد قبل الصلاة
(55) ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد (56) ويجوز تقديمها
عليه بيوم أو يومين
(57) ويجوز أن يعطي واحد ما يلزم الجماعة والجماعة ما
يلزم الواحد
باب إخراج الزكاة (58) لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها
إذا أمكن إخراجها
(59) فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة
(60) وإن تلف قبله سقطت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولأن المقصود إغناؤهم عن الطلب في يوم العيد لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» رواه أبو
سعيد، وفي إخراجها قبل الصلاة إغناؤهم في اليوم كله.
مسألة 55: (ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد) ، فإن فعل
أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته، وعليه القضاء لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات
وقته كالدين.
مسألة 56: (ويجوز تقديمها عليه بيومين) وثلاثة لأن ابن
عمر كان يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين، ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل
الغنى بها فيه، وإن عجلها لأكثر لم يجز لأن الظاهر أنه ينفقها ولا يحصل بها الغنى
المقصود يوم العيد.
مسألة 57: (ويجوز أن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة) كما
يجوز دفع زكاة مالهم إليه، (ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد) ، كما يجوز
تفرقة زكاة ماله عليهم.
[باب إخراج الزكاة]
مسألة 58: (لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها مع
إمكانه) لأنها عبادة مؤقتة بوقت فلا يجوز تأخيرها عنه كالصلاة، ولأن الأمر بها
مطلق، والأمر المطلق يدل على الفور، وقد اقترن به ما يدل عليه، فإنه لو جاز له
التأخير لأخر بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأثم حتى يموت فتسقط عنه عند من يسقطها
أو يتلف ماله فيعجز عن الأداء فيتضرر الفقراء بذلك، ولأنها وجبت لدفع حاجة الفقراء
وحاجتهم ناجزة فيكون الوجوب ناجزًا.
مسألة 59: (فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة)
لأنها وجبت في ذمته فلا تسقط بتلف المال كدين الآدمي.
مسألة 60: (وإن تلف قبله) يعني قبل الوجوب (سقطت) ، لأن
المال تلف قبل أن تجب عليه فلم يكن في ذمته شيء أشبه ما لو لم يملك نصابًا.
(1/152)
(61) ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك
(62) فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه وإن صار عند
الوجوب من أهلها
(63) وإن دفعها إلى مستحقها فمات أو استغنى أو ارتد
أجزأت عنه، وإن تلف المال لم يرجع على الآخذ
(64) ولا تنقل الصدقة إلى بلد تقصر إليه الصلاة
(65) إلا أن لا يجد من يأخذها في بلدها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 61: (ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل
ذلك) لأن النصاب سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف، ويجوز بعد كمال
النصاب لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن العباس سأل رسول - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرخص له في تعجيل الصدقة قبل أن تحل فرخص له» ، رواه أبو
داود، ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ودية الخطأ.
مسألة 62: (فإن عجل بها إلى غير مستحقها لم يجزئه وإن
صار عند الوجوب من أهلها) لأنه لم يؤتها لمستحقها.
مسألة 63: (وإن دفعها إلى مستحقها فمات أو استغنى أو
ارتد أجزأت عنه) لأنه أداها إلى مستحقها فبرئ منها كما لو تلفت عند آخذها أو استغنى
بها. (وإن عجلها ثم هلك المال قبل الحول لم يرجع على المساكين) لأنه دفعها إلى مستحقها
فلم يملك الرجوع بها كما لو لم يعلمه.
مسألة 64: (ولا تنقل الصدقة إلى بلد تقصر إليه الصلاة)
«لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: "أعلمهم أن عليهم صدقة
تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» [رواه البخاري] ولأن نقلها عنهم يفضي إلى ضياع
فقرائهم.
مسألة 65: (إلا أن لا يجد من يأخذها) لما روي أن معاذًا
بعث إلى عمر صدقة من اليمن، فأنكر عمر ذلك وقال: لم أبعثك جابيًا ولا آخذ جزية،
ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس وترد في فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء
وأنا أجد أحدا يأخذه مني، رواه أبو عبيد في الأموال.
(1/153)
باب من يجوز دفع الزكاة إليه (66) وهم ثمانية: الأول:
الفقراء، وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعًا من كفايتهم بكسب ولا غيره، الثاني:
المساكين، وهم الذين يجدون ذلك ولا يجدون تمام الكفاية، الثالث: العاملون عليها،
وهم السعاة عليها ومن يحتاج إليه فيها)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب من يجوز دفع الزكاة إليه]
مسألة 66: (وهم ثمانية) أصناف التي سمى الله تعالى في
قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] ، ولا يجوز صرفها إلى غيرهم لأن الله
سبحانه خصهم بها بقوله: (إنما) وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه. فأما
(الفقراء والمساكين) فهم صنفان وكلاهما يأخذ لحاجته لمؤنة نفسه، والفقراء أشد حاجة
لأن الله سبحانه بدأ بهم، والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم، ولأن الله سبحانه قال:
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف:
79] فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - استعاذ من الفقر وقال: «اللهم أحيني مسكينًا واحشرني في زمرة
المساكين» رواه الترمذي، فدل على أن الفقر أشد، فالفقير من ليس له ما يقع موقعًا
من كفايته من كسب ولا غيره، والمسكين الذي له ذلك، فيعطى كل واحد منهم ما تتم به
كفايته.
(الثالث: العاملون عليها وهم الجباة والحافظون لها ومن
يحتاج إليه فيها) وينبغي
(1/154)
(الرابع:
المؤلفة قلوبهم، وهم السادة المطاعون في عشائرهم الذين
يرجى بعطيتهم دفع شرهم أو قوة إيمانهم أو دفعهم عن المسلمين أو إعانتهم على أخذ
الزكاة ممن يمتنع من دفعها. الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون وإعتاق الرقيق
السادس: الغارمون، وهم المدينون لإصلاح نفوسهم في مباح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للإمام إذا تولى القسمة أن يبدأ بالعامل فيعطيه عمالته
لأنه يأخذ عوضًا، فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة.
(الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم
ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة الإيمان منه أو إسلام نظيره أو
جباية الزكاة ممن لا يعطيها والدفع عن المسلمين) وهم ضربان: كفار، ومسلمون. فالكافر يعطى
رجاء إسلامه أو خوف شره، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى
صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيبًا له في الإسلام، «قال صفوان: أعطاني
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إليّ،
فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إليّ» ، رواه مسلم. وأما المسلمون فقوم لهم شرف
ويرجى بعطيتهم إسلام نظرائهم، فيعطون لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع إسلامهم وحسن نيتهم.
(الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون) يعطون ما يؤدونه في
كتابتهم، ولا يقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة، لأن الأصل عدمها.
مسألة 67: ويجوز أن يفك منها أسيرًا مسلمًا كفك رقبة
العبد من الرق، وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها؟ على روايتين: إحداهما: يجوز
لأنها من الرقاب، فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها.
والأخرى: لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقتضي دفع الزكاة إلى الرقاب، كقوله
سبحانه: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] يريد الدفع إلى المجاهدين، والعبد
لا يدفع إليه.
(السادس: الغارمون، وهم المدينون) وهم ضربان: ضرب غرم (لمصلحة نفسه) [في
مباح] فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه، ولا يعطى مع الغنى؛ لأنه يأخذ لحاجة نفسه فلم
يدفع إليه مع الغنى كالفقير. الثاني: غرم لإصلاح ذات البين، كمن يتحمل دية أو
مالًا
(1/155)
(أو لإصلاح بين طائفتين من المسلمين. السابع: في سبيل
الله، وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم. الثامن: ابن السبيل، وهو المسافر المنقطع به
وإن كان ذا يسار في بلده. فهؤلاء هم أهل الزكاة، لا يجوز دفعها إلى غيرهم
(68) ويجوز دفعها إلى واحد منهم لأنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وقال لقبيصة أقم
يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها»
(69) ويدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لتسكين فتنة (وإصلاح بين طائفتين) فيدفع إليه من الصدقة
ما يؤدي حمالته وإن كان غنيًا، لحديث «قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيت
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسأله فيها فقال: "أقم يا قبيصة
حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» الحديث، أخرجه مسلم، ولأنه يأخذ لنفع المسلمين فجاز
مع الغنى كالساعي.
(السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم)
يعطون قدر ما يحتاجون إليه لغزوهم من نفقة طريقهم وإقامتهم وثمن السلاح والخيل إن
كانوا فرسانًا، ويعطون مع الغنى لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين، ولا يعطى الراتب في
الديوان لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء.
(الثامن: ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به) دون المنشئ
للسفر من بلده (وله اليسار في بلده) فيعطى من الصدقة ما يبلغه إليه لإيابه
(فهؤلاء أهل الزكاة، لا يجوز دفعها إلى غيرهم) لما سبق.
مسألة 68: (ويجوز دفعها إلى واحد منهم) لأن «النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال لمعاذ: " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من
أغنيائهم فترد في فقرائهم» أمر بردها في صنف واحد، «وقال لقبيصة لما سأله في
حمالته: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» وهو صنف واحد، وأمر بني بياضة
بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر، وهو واحد، فتبين بهذا أن المراد من الآية بيان موضع
الصرف دون التعميم. وكذلك لا يجب تعميم كل صنف، ولأن التعميم بصدقة الواحد إذا
أخذها الساعي غير واجب بخلاف الخمس.
مسألة 69: (ويدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته)
لأن المقصود دفع
(1/156)
وإلى العامل قدر عمالته، وإلى المؤلف ما يحصل به تأليفه،
وإلى المكاتب والغارم ما يقضي به دينه، وإلى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه، وإلى ابن
السبيل ما يوصله إلى بلده، ولا يزاد واحد منهم على ذلك
(70) وخمسة منهم لا يأخذون إلا مع الحاجة وهم: الفقير،
والمسكين، والمكاتب، والغارم لنفسه، وابن السبيل
(71) وأربعة يجوز الدفع إليهم مع الغنى وهم: العامل،
والمؤلف، والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حاجته، (ويعطى العامل قدر عمالته) لأنه مستحقه، (ويدفع
إلى المؤلفة قلوبهم ما يحصل به التأليف، ويعطى المكاتب والغارم ما يقضي دينهما،
ويعطى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه) وإن كثر لما سبق (ويعطى ابن السبيل ما يوصله
إلى بلده ولا يزاد أحد منهم على ذلك) لحصول المقصود.
مسألة 70: (وخمسة منهم لا يأخذون إلا مع الحاجة: الفقير،
والمسكين، والمكاتب، والغارم لنفسه، وابن السبيل) ، فإن فضل مع الغارم شيء بعد
قضاء دينه، أو مع المكاتب بعد أداء كتابته، أو مع الغازي بعد غزوه، أو مع ابن
السبيل بعد قفوله استرجع منهم، وإن استغنوا عن الجميع ردوه، لأنهم أخذوه للحاجة
وقد زالت الحاجة.
والباقون يأخذون أخذًا مستقرًا فلا يردون شيئًا، وهم
أربعة: الفقراء، والمساكين، والعاملون، والمؤلفة، لأن الفقراء والمساكين إنما
يأخذون ما تتم به كفايتهم، والعامل يأخذ أجرة فأشبه الفقير والمؤلفة يأخذون مع
الغنى وعدمه.
وكلام الخرقي يقتضي أن أخذ المكاتب أخذ مستقر، ووجهه أن
حاجته لا تندفع إلا بما يغنيه فأشبه الفقير، فلو لزمه رد ما أخذ بعد أداء الكتابة لبقي
فقيرًا محتاجًا.
مسألة 71: (وأربعة يجوز الدفع إليهم مع الغنى: العامل،
والمؤلف، والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين) لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم والحاجة
توجد مع الغنى.
(1/157)
باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه لا تحل الصدقة لغني ولا
لقوي مكتسب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه]
(لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب) لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» رواه النسائي،
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي»
وهو حديث حسن [رواه الترمذي] .
1 -
مسألة 72: وفي ضابط الغنى روايتان: إحداهما: أنه الكفاية
على الدوام بصناعة أو بكسب، أو أجرة أو نحوه لقوله في حديث قبيصة: «ورجل أصابته
جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش " [رواه مسلم] أو
" سدادًا من عيش» ولأن الغنى ضد الحاجة والحاجة تذهب بالكفاية وتوجد مع عدمها.
والرواية الثانية: أنه الكفاية أو ملك خمسين درهمًا أو
قيمتها من الذهب، لأن في حديث ابن مسعود «قيل: يا رسول الله ما الغنى؟ قال: خمسون
درهمًا أو قيمتها من الذهب» قال الترمذي: هذا حديث حسن، فعلى هذه إن كان له عيال
فله أن يأخذ لكل
(1/158)
(73) ولا تحل لآل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وهم بنو هاشم ومواليهم
(74) ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علوا، ولا إلى
الولد وإن سفل، ولا من تلزمه مؤنته
(75) ولا إلى كافر
(76) فأما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء وإلى غيرهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
واحد خمسين درهمًا نص عليه، إلا أن الحديث ضعيف، لأنه
يرويه حكم بن جبير، وقال البخاري: هو ضعيف.
مسألة 73: (ولا تحل لآل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وهم بنو هاشم ومواليهم) إلا لغزو أو حمالة، لأن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما الصدقات أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد
وآل محمد» وحكم مواليهم وهم معتقوهم حكمهم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- في حديث أبي رافع: «فإن موالي القوم منهم» حديث صحيح [رواه الترمذي] .
مسألة 74: (ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علوا، ولا إلى
الولد وإن سفل، ولا من تلزمه مؤنته) كالزوجة والعبد والقريب لأن نفقتهم عليه واجبة
وفي دفعها إليهم إغناء لهم عن نفسه فكأنه صرفها إلى نفسه.
مسألة 75: (ولا يجوز دفعها إلى كافر) لغير تأليف، لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» ولأنها مواساة تجب على المسلم فلم تجب
للكافر كالنفقة.
مسألة 76:
(فأما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء وإلى غيرهم)
لما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت
له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة. وعنه: لا تحل لهم
صدقة التطوع أيضًا لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنا لا تحل
لنا الصدقة» [رواه أبو داود] والأول أظهر، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «المعروف كله صدقة» متفق عليه، وقال سبحانه:
(1/159)
(77) ولا يجوز دفع الزكاة إلا بنية إلا أن يأخذها الإمام
قهرًا،
(78) وإذا دفع الزكاة إلى غير مستحقها لم يجزه
(79) إلا لغني إذا ظنه فقيرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ
لَكُمْ} [البقرة: 280] وقال تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا}
[النساء: 92] وقال تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}
[المائدة: 45] ولا خلاف في صحة العفو عن الهاشمي ونظائره.
مسألة 77: (ولا يجوز دفع الزكاة إلا بنية) لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما
نوى» (إلا أن يأخذها الإمام منه قهرًا) فتجزي بنية الإمام في الظاهر على معنى أنا
لا نطالبه بها ثانيًا، ولا تجزي في الباطن للخبر.
مسألة 78: (وإذا دفع الزكاة إلى غير مستحقها) وهو لا
يعلم ثم علم (لم تجزه) لأنه بان أنه غير مستحق، أشبه ما لو دفع الدين إلى غير
صاحبه.
مسألة 79: (إلا الغني إذا ظنه فقيرًا) وعنه لا تجزيه
كذلك، ودليل الأولى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكتفى بالظاهر
لقوله للرجلين: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني» وهذا يدل على أنه يجزئ، ولأن
الغني يختفي فاعتبار حقيقته يشق، ولهذا قال سبحانه: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ
مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]
.
1 -
مسألة 80: ومن دفعها إلى من يظنه مسلمًا فبان كافرًا، أو
حرًا فبان عبدًا أو هاشميًا، لم يجزه، رواية واحدة، لأن حال هؤلاء لا تخفى فلم
يعذر الدافع لهم بخلاف الأولى.
(1/160)
العدة شرح العمدة
كتاب الزكاة وهي واجبة على كل مسلم حر ملك نصابًا ملكًا
تامًا
(1) ولا زكاة في مال حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الزكاة]
(وهي واجبة على كل مسلم حر ملك نصابًا ملكًا تامًا)
لأنها أحد مباني الإسلام أشبهت الحج.
ولا تجب الزكاة إلا بشروط:
منها: الإسلام، فلا تجب على كافر لأنها من فروع الإسلام
أشبهت الصيام.
الشرط الثاني: الحرية، فلا تجب على عبد لأن ما في يده
لسيده، فإن ملكه سيده مالًا وقلنا لا يملك فزكاته على سيده لأنه مالكه، وإن قلنا
يملك فلا زكاة فيه لأن سيده لا يملكه، وملك العبد ضعيف لا يحتمل المواساة.
ولا تجب على مكاتب كذلك.
مسألة 1: (ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) وهو
الشرط الثالث (إلا في الخارج من الأرض) لما روى ابن ماجه عن عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقول: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» أخرجه الترمذي، وهو عام
في كل مال زكاتي لأن المراد به المواشي والأثمان وعروض التجارة، وخرج منه الخارج
من الأرض كالزرع والثمار والمعدن، والفرق بينهما أن ما اعتبر فيه الحول مرصد للنماء:
فالماشية للدر والنسل، وعروض التجارة للربح، وكذا الأثمان، فاعتبر لها الحول لأنه
مظنة النماء ليكون إخراج الزكاة من الربح فإنه أسهل وأيسر، ولم تعتبر حقيقة النماء
لعدم ضبطه فاعتبرت مظنته وهو الحول ولم يلتفت إلى الحقيقة كالحكم مع سببه، وأما
الخارج من
(1/135)
يحول عليه الحول إلا في الخارج من الأرض
(2) ونماء النصاب من النتاج والربح، فإن حولهما حول
أصلهما
(3) ولا تجب الزكاة إلا في أربعة أنواع: السائمة من
بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والأثمان، وعروض التجارة
(4) ولا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ نصابًا
(5) وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه إلا السائمة فلا
شيء في أوقاصها
باب زكاة السائمة وهي الراعية وهي ثلاثة أنواع: أحدها:
الإبل، ولا شيء فيها حتى تبلغ خمسًا فيجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الأرض فإنه نماء في نفسه يتكمل دفعة واحدة فتؤخذ زكاته
دفعة واحدة عند تكمل نمائه ثم لا شيء فيه بعد ذلك لعدم إرصاده للنماء، إلا أن
الخارج من المعدن إذا كان ذهبًا أو فضة فإن الزكاة تؤخذ منه ثانيًا عند تمام كل
حول لكونه مظنة النماء.
مسألة 2: (ونماء النصاب من النتاج والربح، فإن حولهما
حول أصلهما) لأنهما تبع لأصلهما ومتولدان منه.
مسألة 3: (ولا تجب الزكاة إلا في أربعة أنواع: السائمة
من بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والأثمان، وعروض التجارة) وسيأتي ذلك في
موضعه، ولا تجب في غير ذلك لأن الأصل عدم الزكاة فيبقى على الأصل.
مسألة 4: (ولا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ نصابًا) وذلك
ثابت بالإجماع والأخبار الصحاح، أخبار صدقات المواشي: «في خمس من الإبل شاة، وفي خمس
وعشرين بنت مخاض، وفي ثلاثين من البقر تبيع، وفي أربعين من الغنم شاة» روى ذلك
البخاري.
مسألة 5: (وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه إلا في
السائمة) على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
[باب زكاة السائمة]
(هي الراعية) في أكثر الحول، لأنها لا تخلو من علف في
بعضه، فاعتباره في الحول يمنع الوجوب بالكلية فاعتبر في معظمه، (وهي ثلاثة أنواع:
أحدها الإبل ولا شيء فيها
(1/136)
فيها شاة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي
العشرين أربع شياه، إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض وهي بنت سنة، فإن لم تكن عنده
فابن لبون، وهو ابن سنتين، إلى ست وثلاثين فيجب فيها بنت لبون، إلى ست وأربعين
فيجب فيها حقة لها ثلاث سنين، إلى إحدى وستين فيجب فيها جذعة لها أربع سنين، إلى
ست وسبعين ففيها ابنتا لبون، إلى إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا
زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون،
ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حتى تبلغ خمسًا فيجب فيها شاة) ، لما روى البخاري عن أنس
«أن أبا بكر كتب له حين وجهه إلى البحرين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،
هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المسلمين
والتي أمر الله بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في أربع
وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، (فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين
ففيها بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى
خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستًا وأربعين ففيها حقة طروقة الجمل،
فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستًا وسبعين إلى تسعين
ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل)
فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن
معه إلا أربع من الإبل فليست فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسًا من
الإبل ففيها شاة، وهذا مجمع عليه إلى أن تبلغ عشرين ومائة، قاله ابن المنذر (فإذا
زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون) لأن في حديث الصدقات الذي كتبه
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان عند آل عمر " فإذا كانت
إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون» وهو حديث حسن [رواه ابن ماجه] وبنت
المخاض التي لها سنة وقد حملت أمها فهي بنت مخاض يعني بنت حامل، وبنت اللبون التي
لها سنتان سميت بذلك لأن أمها ولدت غيرها
(1/137)
(6) في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، إلى
مائتين فيجتمع فيها الفرضان: فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون
(7) ومن وجبت عليه سن فلم يجدها أخرج أدنى منها ومعها
شاتان أو عشرون درهمًا، وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ شاتين أو عشرين درهمًا)
(النوع الثاني: البقر، ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة لها سنة،
إلى أربعين ففيها مسنة لها سنتان، إلى ستين ففيها تبيعان، إلى سبعين ففيها تبيع
ومسنة، ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فهي ذات لبن، والحقة لها ثلاث سنين سميت بذلك لأنها
استحقت أن يطرقها الفحل، والجذعة لها أربع سنين.
مسألة 6: (في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون إلى
مائتين فيجتمع فيها الفرضان، فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء أخرج خمس بنات لبون)
للخبر.
مسألة 7: (ومن وجبت عليه سن فلم يجدها أخرج أدنى منها
ومعها شاتان أو عشرون درهمًا، وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ شاتين أو عشرين درهمًا)
، لما روى أنس في كتاب الصدقات الذي كتبه أبو بكر قال: ومن «بلغت عنده من الإبل صدقة
الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن
استيسرنا له أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة
فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة
وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت اللبون ويعطي شاتين أو عشرين درهمًا،
ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو
عشرين درهمًا» والخيرة في ذلك كله لرب المال للخبر.
(النوع الثاني: البقر، ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين
فيجب فيها تبيع أو تبيعة لها سنة، إلى أربعين ففيها مسنة لها سنتان، إلى ستين
ففيها تبيعان، إلى سبعين ففيها تبيع ومسنة، ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين
مسنة) لما روى الإمام أحمد بإسناده عن يحيى بن الحكم «أن معاذًا قال: بعثني رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من
البقر من كل ثلاثين تبيعًا، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين
مسنة وتبيعًا، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة
وتبيعين، ومن
(1/138)
(النوع الثالث: الغنم، ولا شيء فيها حتى تبلغ أربعين
ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت
واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم في كل مائة شاة
(8) ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا ذات عوار ولا هرمة
(9) ولا الربى ولا الماخض ولا الأكولة
(10) ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
العشر ومائة مسنتين وتبيعا ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات
أو أربعة أتباع، وأمرني ألا آخذ فيما بين ذلك إلا أن تبلغ مسنة أو جذعا» . (النوع
الثالث: الغنم، ولا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا
زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم في كل مائة
شاة) لما روى أنس في كتاب الصدقات: «وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى عشرين
ومائة شاة، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين
إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة. فإذا
كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها» .
وعن الإمام أحمد أن في ثلاث مائة وواحدة أربع شياه، ثم في كل مائة شاة، اختارها
أبو بكر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الثلاث مائة غاية
فيجب تعيين الفرض بالزيادة عليها، والأول أصح، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل حكمها إذا زادت على ثلاث مائة في كل مائة شاة، فإيجاب
أربع فيما دون الأربع مائة يخالف الخبر، وإنما جعل الثلاث مائة حدًا لاستقرار الفرض.
مسألة 8: (ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار
وهي المعيبة) لقوله سبحانه: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
[البقرة: 267] وروى أنس في كتاب الصدقات: «ولا يجزئ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار
ولا تيس» [رواه البخاري] .
مسألة 9: (ولا تؤخذ الربى) وهي التي تربي ولدها لأجل
ولدها، ولا الحامل التي حان ولادها وهي (الماخض، ولا الأكولة) وهي السمينة.
مسألة 10: (ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه) لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله لم يسألكم خيره ولا يأمركم بشره»
رواه أبو داود، «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: " إياك
وكرائم
(1/139)
(11) إلا أن يتبرع به أرباب المال
(12) ولا يخرج إلا أنثى صحيحة إلا في الثلاثين من البقر
وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها
(13) إلا أن تكون ماشية كلها ذكور أو مراض فيجزئ واحد
منها
(14) ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من المعز والسن
المنصوص عليها
(15) إلا أن يختار رب المال إخراج سن أعلى من الواجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أموالهم» متفق عليه، وقال الزهري: إذا جاء المصدق قسم
الشاة ثلاثًا، ثلثًا خيارًا وثلثًا شرارًا وثلثًا وسطًا، ويأخذ المصدق من الوسط.
مسألة 11: (إلا أن يتبرعوا به) يعني أرباب المال إذا
تبرعوا بالخيار جاز أخذه لأن المنع من أخذه لحقه فجاز برضاه كما لو دفع فرضين مكان
فرض.
مسألة 12: (ولا يخرج إلا الأنثى الصحيحة إلا في ثلاثين
من البقر وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها) لورود النص فيها فيما سبق ولفضيلة
الأنثى بدرها ونسلها.
مسألة 13: (إلا أن تكون ماشية كلها ذكور فتجزئ واحدة
منها) لأنها الزكاة وجبت مواساة، والمواساة إنما تكون بجنس المال.
مسألة 14: (ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من
المعز) وهي التي لها سنة، وجذع الضأن له ستة أشهر، (والسن المنصوص عليها) قال سويد
بن غفلة: «أتانا مصدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: أمرنا أن
نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز» ولأن جذعة الضأن تجزئ من الأضحية بخلاف
جذعة المعز بدليل قوله لأبي بردة في جذعة المعز: «تجزيك ولا تجزئ عن أحد بعدك»
[رواه ابن ماجه] .
مسألة 15: (إلا أن يختار رب المال إخراج سن أعلى من
الواجب) لما روى أبو داود عن أبي بن كعب «أن رجلًا قدم على النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي فزعم أن
مالي فيه بنت مخاض فعرضت عليه ناقة فتية سمينة، فقال له رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
" ذلك الذي وجبت عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله
فيه وقبلناه
(1/140)
(16) أو تكون كلها صغارًا فيخرج صغيرة،
(17) وإن كان فيها صحاح ومراض وذكور وإناث وصغار وكبار
أخرج صحيحة كبيرة قيمتها على قيمة المالين
(18) فإن كان فيها بخاتي وعراب وبقر وجواميس ومعز وضأن
وكرام ولئام وسمان ومهازيل أخذ من أحدهما بقدر قيمة المالين
(19) وإن اختلط جماعة في نصاب من السائمة حولًا كاملًا
وكان مرعاهم وفحلهم ومبيتهم ومحلبهم ومشربهم واحدًا فحكم زكاتها حكم زكاة الواحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
منك " فقال: ها هي ذه يا رسول الله، فأمر رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقبضها ودعا له بالبركة» [رواه أبو داود] .
مسألة 16: (أو تكون ماشيته كلها صغارًا فيخرج صغيرة) ،
ويتصور ذلك إذا كان عنده نصاب كبار فأبدلها بصغار في أثناء الحول، أو تولدت الكبار
ثم ماتت وحال الحول على الصغار، فيجوز إخراج الصغيرة، لقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لقاتلتهم عليها [رواه البخاري] ولا تؤدى العناق إلا عن الصغار.
مسألة 17: (وإن كان فيها صحاح ومراض وذكور وإناث أخرج
صحيحة كبيرة على قدر المالين) لأن الزكاة وجبت مواساة فيجب أن تكون من رأس المال.
مسألة 18: (وإن كان فيها بخاتي وعراب وبقر وجواميس ومعز
وضأن وكرام ولئام وسمان ومهازيل أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين) فإن
كانت قيمة الفرض من أحدهما عشرة ومن الآخر عشرين أخذ من أيهما شاء ما قيمته خمسة
عشر إلا أن يرضى رب المال بإخراج الأجود.
مسألة 19: (وإن اختلط جماعة في نصاب من السائمة حولًا
كاملًا وكان مرعاهم وفحلهم ومبيتهم ومشربهم واحدًا فحكم زكاتهم حكم زكاة الواحد)
سواء كانت خلطة أعيان بأن تكون مشاعًا بينهما أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منهما
متميزًا فخلطاه واشتركا في المراح والمسرح والمحلب والمشرب والراعي والفحل، فإن
اختل شرط منها أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه،
والأصل في الخلطة ما روى أنس في حديث الصدقات: «ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين
(1/141)
(21) وإذا أخرج الفرض من مال أحدهم رجع على خلطائه
بحصصهم منه
(22) ولا تؤثر الخلطة إلا في السائمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان
بينهما بالسوية» ولأن المالين صارا كالمال الواحد في الكلف فكذلك في الصدقة.
1 -
مسألة 20: ويعتبر للخلطة شروط أربعة:
الأول: أن يكون الخليطان من أهل الزكاة، فإن كان أحدهما
مكاتبًا أو ذميًا فلا أثر لخلطته لأنه لا زكاة في ماله فلم يكمل النصاب به.
الثاني: أن يختلطا في نصاب، فإن كان دونه مثل ثلاثين شاة
لم تؤثر الخلطة سواء كان لهما مال سواه أو لم يكن لأن المجتمع دون النصاب.
الثالث: أن تكون الخلطة في السائمة فلا تؤثر في غيرها
لأن النص اختص بها.
الرابع: أن يختلطا في ستة أشياء لا يتميز أحدهما عن
صاحبه فيها وهي: المسرح، والمشرب والمحلب، والمراح، والراعي، والفحل؛ لما روى
الدارقطني بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة» ، والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي، نص
على هذه الثلاثة فنبه على سائرها، ولأنه إذا تميز كل مال بشيء مما لهما حكم
الانفراد في بعضه زكيا زكاة المنفردين فيه، لأن الخلطة معنى يتعلق به إيجاب الزكاة
فاعتبرت في جميع الحول كالنصاب.
مسألة 21: (وإذا أخرج الفرض من مال أحدهم رجع على خلطائه
بحصصهم منه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان
بينهما بالسوية» رواه أنس في حديث الصدقات [أخرجه البخاري] .
مسألة 22: (ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة) وعنه تؤثر
في شركة الأعيان لعموم الخبر، ولأنه مال تجب فيه الزكاة فأثرت فيه الخلطة
كالسائمة، ودليل الأولى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخليطان ما
اجتمعا على الحوض والراعي والفحل» رواه الدارقطني، وهذا مفسر
(1/142)
باب زكاة الخارج من الأرض وهو نوعان: أحدهما: النبات،
فتجب الزكاة منه في كل حب وثمر يكال ويدخر إذا خرج من أرضه وبلغ خمسة أوسق، لقول
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى
يبلغ خمسة أوسق» . والوسق ستون صاعًا والصاع رطل بالدمشقي وأوقية وخمسة أسباع
أوقية، فجميع النصاب ما قارب ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلاً وستة أسباع رطل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للخلطة شرعًا فيجب تقديمه، ولأن الخلطة في السائمة أثرت
في الضرر كتأثيرها في النفع، وفي غيرها لا تؤثر في النفع لعدم الوقص فيها، وقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة» دليل على اختصاص
ذلك بالسائمة التي تقل الصدقة بجمعها لأجل الأوقاص بخلاف غيرها.
[باب زكاة الخارج من الأرض]
(وهو نوعان: أحدهما: النبات، فتجب الزكاة فيه في كل حب
وثمر يكال ويدخر) لقوله سبحانه: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف
العشر» أخرجه البخاري.
مسألة 23: ولا تجب إلا بخمسة شروط:
أحدها: أن يكون حبًا أو ثمرًا لقول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في ثمر ولا حب حتى يبلغ خمسة أوسق» وهذا
يدل على وجوبها في الحب والثمر وانتفائها من غيرهما.
الثاني: أن يكون مكيلا لتقديره بالأوسق وهي مكاييل فيدل
ذلك على اعتبارها.
الثالث: أن يكون مما يدخر لأن جميع ما اتفق على زكاته
مدخر، ولأن غير المدخر لم تكمل ماليته لعدم التمكن من الانتفاع به في المال.
(1/143)
(24) ويجب العشر فيما سقي من السماء والسيوح، ونصف العشر
فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح
(25) وإذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب وجبت الزكاة)
(26) ولا يخرج الحب إلا مصفى ولا الثمر إلا يابسًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الرابع: أن يبلغ نصابًا قدره بعد التصفية في الحبوب
والجفاف في الثمار خمسة أوسق لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» [رواه البخاري] ، والوسق ستون صاعًا حكاه ابن
المنذر إجماعًا، والصاع خمسة أرطال وثلث، والمجموع ثلاثمائة صاع وهي ألف وستمائة رطل
بالعراقي، والرطل مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وهو بالرطل
الدمشقي المقدر بستمائة درهم ثلاثمائة رطل واثنان وأربعون رطلا وستة أسباع رطل.
والأوساق مكيلة ونقلت إلى الوزن لتحفظ وتنقل، قال الإمام أحمد: وزنته - يعني
الصاع - فوجدته خمسة أرطال وثلثًا حنطة، وهذا يدل على أن قدره ذلك من الحبوب
الثقيلة.
الشرط الخامس: أن يكون النصاب مملوكًا له وقت وجوب
الزكاة لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:
24] فلا تجب فيما يكتسبه باللقاط ولا ما يأخذه بحصاده ولا ما يجتنيه من المباح
كالبطم والزعبل ونحوه.
مسألة 24: (ويجب العشر فيما سقي من السماء والسيوح، ونصف
العشر فيما سقي بكلفة) للخبر في أول الباب.
مسألة 25: (وإذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب وجبت
الزكاة) لأنه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات فأشبه اليابس، وقبله لا يقصد لذلك فهو
كالرطبة.
مسألة 26: (ولا يخرج الحب إلا مصفى ولا الثمر إلا
يابسًا) لما روى عتاب بن أسيد قال: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبًا كما تؤخذ زكاة النخل
تمرًا» رواه أبو داود، ولأنه أوان الكمال وحال الادخار، فلو
(1/144)
(27) ولا زكاة فيما يكتسبه من مباح الحب والثمر، ولا في
اللقاط، ولا يأخذه أجرة لحصاده
(28) ولا يضم صنف من الحب والثمر إلى غيره في تكميل
النصاب
(29) فإن كان صنفًا واحدًا مختلف الأنواع كالتمور ففيها
الزكاة
(30) ويخرج من كل نوع زكاته وإن أخرج جيدًا عن الرديء
جاز وله أجره النوع الثاني: المعدن، فمن استخرج من معدن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أخرج الزكاة قبل الجفاف لم يجزه ولزمه الإخراج بعد
التجفيف، لأنه أخرج غير الفرض فلم يجزه كما لو أخرج الصغيرة من الماشية عن الكبار.
مسألة 27:
(ولا زكاة فيما يكسبه من مباح الحب والثمر، ولا في
اللقاط، ولا فيما يأخذه أجرة لحصاده) لأن هذه الأشياء إنما تملك بحيازتها وأخذها،
والزكاة إنما تجب في الحبوب والثمار إذا بدا صلاحها، وفي تلك الحال لم تكن ملكًا
له فلا يتعلق به الوجوب ويصير كما لو وهب نصابًا بعد بدو صلاحه أو اشتراه أو ملكه
بجهة من الجهات لم تجب زكاته اتفاقًا.
مسألة 28: (ولا يضم صنف من الحب والثمر إلى غيره في
تكميل النصاب) لأنهما جنسان مختلفان فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالماشية.
مسألة 29: (فإن كان صنفًا واحدًا مختلف الأنواع كالتمور
ففيه الزكاة) يعني أنها يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب كما تضم أنواع الحنطة
وأنواع الذهب وأنواع الفضة لا نعلم في ذلك خلافًا.
مسألة 30: (ويخرج من كل صنف على حدته) لأن الفقراء
بمنزلة الشركاء فيه، ولا يخرج الرديء عن الجيد لقوله سبحانه: {وَلا تَيَمَّمُوا
الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
[البقرة: 267] (وإن أخرج الجيد عن الرديء جاز وله أجره)
ولا يلزمه ذلك لأن الزكاة على سبيل المواساة، ولا مشقة فيما ذكرناه لأنه لا يحتاج
إلى تشقيص.
(النوع الثاني: المعدن، فمن استخرج من معدن نصابًا من
الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصابًا من الجواهر أو الكحل والصفر والحديد أو غيره
فعليه الزكاة) في الحال ربع العشر من قيمته لقول الله سبحانه: {وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وروى الجوزجاني بإسناده عن بلال
بن الحارث المزني «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ من معادن
القبيلة الصدقة وقدرها ربع
(1/145)
نصابًا من الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصابًا من الجواهر
أو الكحل والصفر والحديد أو غيره فعليه الزكاة
(31) ولا يخرج إلا بعد السبك والتصفية
(32) ولا شيء في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والمسك
(33) ولا شيء في صيد البر والبحر
(34) وفي الركاز الخمس
(35) أي نوع كان من المال قل أو كثر
(36) ومصرفه مصرف الفيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
العشر» ولأنها زكاة في الأثمان فأشبهت زكاة سائر
الأثمان، أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة، ولا يعتبر لها حول لأنه يراد
لتكامل النماء وبالوجود يصل إلى النماء فلم يعتبر له حول كالعشر.
مسألة 31: (ولا يخرج إلا بعد السبك والتصفية) كالحب
والثمرة.
مسألة 32: (ولا شيء في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك)
، لأن ابن عباس قال: لا شيء في العنبر إنما هو شيء ألقاه البحر، ولأنه كان على عهد
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفائه فلم تسبق فيه سنة، وعلى
قياسه اللؤلؤ والمرجان، وعنه في العنبر الزكاة، لأنه معدن أشبه معدن البر، والسمك
صيد أشبه صيد البر، وعنه فيه الزكاة قياسًا على العنبر.
مسألة 33: (ولا شيء في صيد البر والبحر) ، لأنه صيد
والصيد لا زكاة فيه لأنه من المباحات فأشبه اللقاط.
مسألة 34: (وفي الركاز الخمس) لما روى أبو هريرة عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «في الركاز الخمس» متفق
عليه، ولأنه مال مظهور عليه بالإسلام فوجب فيه الخمس كالغنيمة.
مسألة 35: (وتجب في قليله وكثيره من أي نوع كان) من غير
حول لذلك. وتجب على كل واجد له من أهل الزكاة وغيرهم لذلك.
مسألة 36: (ومصرفه مصرف الفيء) لذلك، ولأنه روي عن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه رد بعض خمس الركاز على واجده ولا يجوز ذلك في الزكاة،
وعنه أنه زكاة، فمصرفه مصرفها اختاره الخرقي لأن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أمر واجد الركاز
أن يتصدق به على المساكين، ولأنه حق تعلق بمستفاد من الأرض فأشبه صدقة المعدن.
(1/146)
(37) وباقيه لواجده
باب زكاة الأثمان وهي نوعان: ذهب وفضة، ولا زكاة في
الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم، ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين
مثقالًا فيجب فيها نصف مثقال
(39) فإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 37: (وباقيه لواجده) إن وجده في موات أو أرض لا
يعلم مالكها، لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في الركاز الخمس»
دلالة على أن باقيه لواجده، وإنما اشترط ذلك لأنه إذا وجده في أرض غير موات أو أرض
يعلم مالكها آدميًا معصومًا أو كانت منتقلة إليه ففيه روايتان: إحداهما: [أنه يملكه]
أيضًا لأنه لا يملكه بملك الأرض؛ لأنه ليس من أجزائها إنما هو مودع فيها، فجرى
مجرى الصيد والكلأ يملكه من ظفر به كالمباحات كلها.
1 -
مسألة 38: وإذا ادعاه مالك الأرض فهو له مع يمينه لثبوت
يده على محله. والرواية الأخرى: هو لمالك الأرض أو لمن انتقلت عنه إن اعترف
به، فإن لم يعترف به فهو لأول مالك لأنه في ملكه فكان له كحيطانه.
[باب زكاة الأثمان]
(وهي نوعان: ذهب وفضة، ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي
درهم فيجب فيها خمسة دراهم، ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالًا فيجب فيها نصف
مثقال) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أنه قال: «ليس في أقل من عشرين مثقالًا من الذهب ولا أقل من مائتي درهم صدقة»
رواه أبو عبيد. والواجب ربع العشر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«في الرقة ربع العشر» رواه البخاري وأبو داود، وروى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس عليك في ذهبك شيء حتى
يبلغ عشرين مثقالًا، فإذا بلغ عشرين مثقالًا ففيها نصف مثقال» [رواه أبو داود] .
والرقة الدراهم المضروبة وهي دراهم الإسلام التي وزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل
بغير خلاف.
مسألة 39: (فإن كان فيها غش فلا زكاة فيها، حتى يبلغ قدر
الذهب والفضة نصابًا)
(1/147)
كان فيهما غش فلا زكاة فيهما حتى يبلغ قدر الذهب والفضة
نصابًا، فإن شك في ذلك خير بين الإخراج وبين سبكهما ليعلم قدر ذلك
(40) ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال والعارية
ويباح للنساء كل ما جرت العادة بلبسه من الذهب والفضة، ويباح للرجال من الفضة
الخاتم وحلية السيف والمنطقة ونحوها، فأما المعد للكراء أو الادخار، والمحرم ففيه
الزكاة
باب حكم الدين من كان له دَين على مليء أو مال يمكن
خلاصه كالمجحود الذي له به بينة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للخبر (فإن شك في ذلك خير بين الإخراج وبين سبكهما ليعلم
قدر ذلك) أو يستظهره فيخرج ليسقط الفرض بيقين.
مسألة 40: (ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال
والعارية) في ظاهر المذهب لما روى جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه قال: «ليس في الحلي زكاة» رواه الترمذي، ولأنه مصروف عن جهة
النماء إلى استعمال مباح تجب فيه زكاة كثياب البدن، وحكى ابن أبي موسى عنه أن فيه الزكاة
لعموم الأخبار.
مسألة 41: (ويباح للنساء كل ما جرت عادتهن بلبسه من
الذهب والفضة، ويباح للرجال من الفضة الخاتم وحلية السيف والمنطقة ونحوه، فأما
المعد للكراء أو للادخار ففيه الزكاة) إذا بلغ نصابًا لأنه معد للنماء فهو
كالمضروب.
مسألة 42: وأما المحرم الذي يتخذه الرجل لنفسه من الطوق
وخاتم الذهب ففيه الزكاة لأنه فعل محرم فلم يخرج به عن أصله.
[باب حكم الدين]
(ومن كان له دين على مليء أو مال يمكن خلاصه كالمجحود
الذي له بينة والمغصوب الذي يتمكن من أخذه فعليه زكاته إذا قبضه لما مضى) [كالدين
ولو درهما] لأنه مال مملوك ملكًا تامًا بلغ نصابًا فوجبت فيه الزكاة كالذي في يده.
(1/148)
والمغصوب الذي يتمكن من أخذه، فعليه زكاته إذا قبضه لما
مضى
(43) وإن كان متعذرًا كالدين على مفلس أو على جاحد ولا
بينة به، والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده فلا زكاة فيه
(44) وحكم الصداق حكم الدين ومن كان عليه دين يستغرق
النصاب الذي معه أو ينقصه فلا زكاة فيه
باب زكاة العروض ولا زكاة فيها حتى ينوي بها التجارة وهي
نصاب حولًا ثم يقومها فإذا بلغت أقل نصابا من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها
(46) وإن كان عنده ذهب أو فضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 43: (وإن كان متعذرًا كالدين على مفلس أو على جاحد
لا بينة به، والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده، فلا زكاة فيه) لأن ملكه فيه غير
تام لأنه غير مقدور عليه.
مسألة 44: (وحكم الصداق حكم الدين) كذلك (ومن كان عليه
دين يستغرق النصاب الذي معه أو ينقصه فلا زكاة فيه) كذلك.
[باب زكاة العروض]
(ولا زكاة فيها حتى ينوي بها التجارة وهي نصاب حولًا ثم
يقومها فإذا بلغت أقل نصابا من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها) لما روى سمرة
بن جندب قال: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرنا أن نخرج الصدقة
مما نعده للبيع» رواه أبو داود، وقال: إسناده مقارب، ولأنه مال تام فتعلقت به
الزكاة كالسائمة، وإنما اعتبر أقل نصابا من الذهب أو الفضة لأن التقويم لحظ
الفقراء فيعتبر ما لهم الحظ فيه.
1 -
مسألة 45: وتؤخذ الزكاة من قيمتها لا من أعيانها، لأن
نصابها معتبر بالقيمة لا بالعين، وما اعتبر النصاب فيه وجبت الزكاة فيه كسائر
الأموال، وقدر زكاته ربع العشر لأنها تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة الأثمان.
مسألة 46: (وإن كان عنده ذهب أو فضة ضمها إلى قيمة
العروض في تكميل
(1/149)
ضمها إلى قيمة العروض في تكميل النصاب
(47) وإذا نوى بعروض التجارة القنية فلا زكاة فيها ثم إن
نوى بها بعد ذلك التجارة استأنف له حولًا.
باب زكاة الفطر
وهي واجبة على كل مسلم إذا ملك فضلًا عن قوته وقوت عياله
ليلة العيد ويومه
(48) وقدر الفطرة صاع من البر أو الشعير أو دقيقهما أو
سويقهما أو من التمر أو الزبيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
النصاب) لأنه معد للنماء. والزكاة تجب في القيمة وهي إما
ذهب وإما فضة فوجبت الزكاة في الجميع كما لو كان الكل للتجارة.
مسألة 47: (وإذا نوى بعروض التجارة القنية فلا زكاة
فيها) لأن القنية الأصل (ثم إن نوى بها بعد ذلك التجارة) ففيه روايتان: إحداهما:
يصير للتجارة بمجرد النية اختارها أبو بكر للخبر، ولأنه يصير للقنية بمجرد النية فكذلك
للتجارة. والثانية: لا يصير للتجارة حتى يتبعه بنية التجارة لأن ما لا تتعلق به الزكاة
من أصله لا يصير لها بمجرد النية كالمعلوفة إذا نوى بها الإسامة، وفارق نية القنية
لأنها الأصل فيكفي فيها مجرد النية كالإقامة مع السفر.
[باب زكاة الفطر]
(وهي واجبة على كل مسلم) تلزمه مؤنة نفسه (إذا فضل عن
قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته) صاع، لما روى ابن عمر قال: «فرض رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر
والمملوك من المسلمين صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، فعدل الناس به نصف صاع من بر
على الصغير والكبير، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد» متفق عليه.
مسألة 48: (وقدر الفطرة صاع من البر أو الشعير أو
دقيقهما أو سويقهما أو من التمر أو الزبيب) لما روى أبو سعيد قال: «كنا نعطيها في
زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صاعًا من طعام أو صاعًا من
تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط أو صاعًا من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت
السمراء قال: إن مدًا من هذا يعدل مدين. قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه»
متفق عليه.
(1/150)
(49) فإن لم يجده أخرج من قوته أي شيء كان صاعًا
(50) ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته
ليلة العيد إذا ملك ما يؤدى عنه
(52) فإن كانت مؤنته تلزم جماعة كالعبد المشترك، أو
المعسر القريب لجماعة، ففطرته عليهم على حسب مؤنته
(53) وإن كان بعضه حرًا ففطرته عليه وعلى سيده
(54) ويستحب إخراج الفطرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 49: (فإن لم يجده أخرج من قوته أي شيء كان صاعًا)
سواء كان حبًا أو لحم حيتان أو أنعام، وهو اختيار ابن حامد، لأن مبناها على
المواساة. وعند أبي بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص من كل مقتات من الحب والثمر
كالذرة والدخن والأرز وأشباهه لأنه بدل عنه.
مسألة 50: (وإن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه
مؤنته ليلة العيد إذا ملك ما يؤدى عنه) ، لأن الفطرة تابعة للنفقة، فهذا إذا فضل
عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته ما يخرج عن نفسه وعمن لزمته نفقته لزمه ذلك
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدوا عمن تمونون» ، وقدمت النفقة
على الفطرة لأنها أهم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابدأ بنفسك»
رواه مسلم، وفي لفظ: «ابدأ بمن تعول» رواه الترمذي.
1 -
مسألة 51: ويشترط في وجوبها دخول وقت الوجوب، وهو غروب
الشمس من ليلة الفطر، «لقول ابن عمر: فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - زكاة الفطر من رمضان»
وذلك يكون لغروب الشمس، فمن أسلم أو تزوج أو ولد أو ملك
عبدًا أو أيسر بعد الغروب أو ماتوا قبل الغروب لم تلزمه فطرتهم، وإن غربت وهم عنده
ثم ماتوا فعليه فطرتهم لأنها تجب في الذمة فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار.
مسألة 52: (فإن كانت مؤنته تلزم جماعة كالعبد المشترك
فيه فعليهم صاع) لأن عليهم نفقته، فعلى كل واحد من فطرته بقدر ما يلزمه من نفقته؛
لأنها تابعة لها فتقدر بقدرها، وعنه على كل واحد فطرة كاملة لأنها طهرة فوجب
تكميلها ككفارة القتل.
مسألة 53: (وكذلك الحكم فيمن بعضه حر) على ما ذكرنا.
مسألة 54: (ويستحب إخراج الفطرة يوم العيد قبل الصلاة)
للخبر في أول الباب،
(1/151)
يوم العيد قبل الصلاة
(55) ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد (56) ويجوز تقديمها
عليه بيوم أو يومين
(57) ويجوز أن يعطي واحد ما يلزم الجماعة والجماعة ما
يلزم الواحد
باب إخراج الزكاة (58) لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها
إذا أمكن إخراجها
(59) فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة
(60) وإن تلف قبله سقطت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولأن المقصود إغناؤهم عن الطلب في يوم العيد لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» رواه أبو
سعيد، وفي إخراجها قبل الصلاة إغناؤهم في اليوم كله.
مسألة 55: (ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد) ، فإن فعل
أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته، وعليه القضاء لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات
وقته كالدين.
مسألة 56: (ويجوز تقديمها عليه بيومين) وثلاثة لأن ابن
عمر كان يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين، ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل
الغنى بها فيه، وإن عجلها لأكثر لم يجز لأن الظاهر أنه ينفقها ولا يحصل بها الغنى
المقصود يوم العيد.
مسألة 57: (ويجوز أن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة) كما
يجوز دفع زكاة مالهم إليه، (ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد) ، كما يجوز
تفرقة زكاة ماله عليهم.
[باب إخراج الزكاة]
مسألة 58: (لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها مع
إمكانه) لأنها عبادة مؤقتة بوقت فلا يجوز تأخيرها عنه كالصلاة، ولأن الأمر بها
مطلق، والأمر المطلق يدل على الفور، وقد اقترن به ما يدل عليه، فإنه لو جاز له
التأخير لأخر بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأثم حتى يموت فتسقط عنه عند من يسقطها
أو يتلف ماله فيعجز عن الأداء فيتضرر الفقراء بذلك، ولأنها وجبت لدفع حاجة الفقراء
وحاجتهم ناجزة فيكون الوجوب ناجزًا.
مسألة 59: (فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة)
لأنها وجبت في ذمته فلا تسقط بتلف المال كدين الآدمي.
مسألة 60: (وإن تلف قبله) يعني قبل الوجوب (سقطت) ، لأن
المال تلف قبل أن تجب عليه فلم يكن في ذمته شيء أشبه ما لو لم يملك نصابًا.
(1/152)
(61) ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك
(62) فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه وإن صار عند
الوجوب من أهلها
(63) وإن دفعها إلى مستحقها فمات أو استغنى أو ارتد
أجزأت عنه، وإن تلف المال لم يرجع على الآخذ
(64) ولا تنقل الصدقة إلى بلد تقصر إليه الصلاة
(65) إلا أن لا يجد من يأخذها في بلدها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 61: (ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل
ذلك) لأن النصاب سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف، ويجوز بعد كمال
النصاب لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن العباس سأل رسول - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرخص له في تعجيل الصدقة قبل أن تحل فرخص له» ، رواه أبو
داود، ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ودية الخطأ.
مسألة 62: (فإن عجل بها إلى غير مستحقها لم يجزئه وإن
صار عند الوجوب من أهلها) لأنه لم يؤتها لمستحقها.
مسألة 63: (وإن دفعها إلى مستحقها فمات أو استغنى أو
ارتد أجزأت عنه) لأنه أداها إلى مستحقها فبرئ منها كما لو تلفت عند آخذها أو استغنى
بها. (وإن عجلها ثم هلك المال قبل الحول لم يرجع على المساكين) لأنه دفعها إلى مستحقها
فلم يملك الرجوع بها كما لو لم يعلمه.
مسألة 64: (ولا تنقل الصدقة إلى بلد تقصر إليه الصلاة)
«لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: "أعلمهم أن عليهم صدقة
تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» [رواه البخاري] ولأن نقلها عنهم يفضي إلى ضياع
فقرائهم.
مسألة 65: (إلا أن لا يجد من يأخذها) لما روي أن معاذًا
بعث إلى عمر صدقة من اليمن، فأنكر عمر ذلك وقال: لم أبعثك جابيًا ولا آخذ جزية،
ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس وترد في فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء
وأنا أجد أحدا يأخذه مني، رواه أبو عبيد في الأموال.
(1/153)
باب من يجوز دفع الزكاة إليه (66) وهم ثمانية: الأول:
الفقراء، وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعًا من كفايتهم بكسب ولا غيره، الثاني:
المساكين، وهم الذين يجدون ذلك ولا يجدون تمام الكفاية، الثالث: العاملون عليها،
وهم السعاة عليها ومن يحتاج إليه فيها)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب من يجوز دفع الزكاة إليه]
مسألة 66: (وهم ثمانية) أصناف التي سمى الله تعالى في
قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] ، ولا يجوز صرفها إلى غيرهم لأن الله
سبحانه خصهم بها بقوله: (إنما) وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه. فأما
(الفقراء والمساكين) فهم صنفان وكلاهما يأخذ لحاجته لمؤنة نفسه، والفقراء أشد حاجة
لأن الله سبحانه بدأ بهم، والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم، ولأن الله سبحانه قال:
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف:
79] فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - استعاذ من الفقر وقال: «اللهم أحيني مسكينًا واحشرني في زمرة
المساكين» رواه الترمذي، فدل على أن الفقر أشد، فالفقير من ليس له ما يقع موقعًا
من كفايته من كسب ولا غيره، والمسكين الذي له ذلك، فيعطى كل واحد منهم ما تتم به
كفايته.
(الثالث: العاملون عليها وهم الجباة والحافظون لها ومن
يحتاج إليه فيها) وينبغي
(1/154)
(الرابع:
المؤلفة قلوبهم، وهم السادة المطاعون في عشائرهم الذين
يرجى بعطيتهم دفع شرهم أو قوة إيمانهم أو دفعهم عن المسلمين أو إعانتهم على أخذ
الزكاة ممن يمتنع من دفعها. الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون وإعتاق الرقيق
السادس: الغارمون، وهم المدينون لإصلاح نفوسهم في مباح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للإمام إذا تولى القسمة أن يبدأ بالعامل فيعطيه عمالته
لأنه يأخذ عوضًا، فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة.
(الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم
ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة الإيمان منه أو إسلام نظيره أو
جباية الزكاة ممن لا يعطيها والدفع عن المسلمين) وهم ضربان: كفار، ومسلمون. فالكافر يعطى
رجاء إسلامه أو خوف شره، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى
صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيبًا له في الإسلام، «قال صفوان: أعطاني
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إليّ،
فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إليّ» ، رواه مسلم. وأما المسلمون فقوم لهم شرف
ويرجى بعطيتهم إسلام نظرائهم، فيعطون لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع إسلامهم وحسن نيتهم.
(الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون) يعطون ما يؤدونه في
كتابتهم، ولا يقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة، لأن الأصل عدمها.
مسألة 67: ويجوز أن يفك منها أسيرًا مسلمًا كفك رقبة
العبد من الرق، وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها؟ على روايتين: إحداهما: يجوز
لأنها من الرقاب، فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها.
والأخرى: لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقتضي دفع الزكاة إلى الرقاب، كقوله
سبحانه: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] يريد الدفع إلى المجاهدين، والعبد
لا يدفع إليه.
(السادس: الغارمون، وهم المدينون) وهم ضربان: ضرب غرم (لمصلحة نفسه) [في
مباح] فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه، ولا يعطى مع الغنى؛ لأنه يأخذ لحاجة نفسه فلم
يدفع إليه مع الغنى كالفقير. الثاني: غرم لإصلاح ذات البين، كمن يتحمل دية أو
مالًا
(1/155)
(أو لإصلاح بين طائفتين من المسلمين. السابع: في سبيل
الله، وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم. الثامن: ابن السبيل، وهو المسافر المنقطع به
وإن كان ذا يسار في بلده. فهؤلاء هم أهل الزكاة، لا يجوز دفعها إلى غيرهم
(68) ويجوز دفعها إلى واحد منهم لأنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وقال لقبيصة أقم
يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها»
(69) ويدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لتسكين فتنة (وإصلاح بين طائفتين) فيدفع إليه من الصدقة
ما يؤدي حمالته وإن كان غنيًا، لحديث «قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيت
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسأله فيها فقال: "أقم يا قبيصة
حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» الحديث، أخرجه مسلم، ولأنه يأخذ لنفع المسلمين فجاز
مع الغنى كالساعي.
(السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم)
يعطون قدر ما يحتاجون إليه لغزوهم من نفقة طريقهم وإقامتهم وثمن السلاح والخيل إن
كانوا فرسانًا، ويعطون مع الغنى لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين، ولا يعطى الراتب في
الديوان لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء.
(الثامن: ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به) دون المنشئ
للسفر من بلده (وله اليسار في بلده) فيعطى من الصدقة ما يبلغه إليه لإيابه
(فهؤلاء أهل الزكاة، لا يجوز دفعها إلى غيرهم) لما سبق.
مسألة 68: (ويجوز دفعها إلى واحد منهم) لأن «النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال لمعاذ: " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من
أغنيائهم فترد في فقرائهم» أمر بردها في صنف واحد، «وقال لقبيصة لما سأله في
حمالته: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» وهو صنف واحد، وأمر بني بياضة
بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر، وهو واحد، فتبين بهذا أن المراد من الآية بيان موضع
الصرف دون التعميم. وكذلك لا يجب تعميم كل صنف، ولأن التعميم بصدقة الواحد إذا
أخذها الساعي غير واجب بخلاف الخمس.
مسألة 69: (ويدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته)
لأن المقصود دفع
(1/156)
وإلى العامل قدر عمالته، وإلى المؤلف ما يحصل به تأليفه،
وإلى المكاتب والغارم ما يقضي به دينه، وإلى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه، وإلى ابن
السبيل ما يوصله إلى بلده، ولا يزاد واحد منهم على ذلك
(70) وخمسة منهم لا يأخذون إلا مع الحاجة وهم: الفقير،
والمسكين، والمكاتب، والغارم لنفسه، وابن السبيل
(71) وأربعة يجوز الدفع إليهم مع الغنى وهم: العامل،
والمؤلف، والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حاجته، (ويعطى العامل قدر عمالته) لأنه مستحقه، (ويدفع
إلى المؤلفة قلوبهم ما يحصل به التأليف، ويعطى المكاتب والغارم ما يقضي دينهما،
ويعطى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه) وإن كثر لما سبق (ويعطى ابن السبيل ما يوصله
إلى بلده ولا يزاد أحد منهم على ذلك) لحصول المقصود.
مسألة 70: (وخمسة منهم لا يأخذون إلا مع الحاجة: الفقير،
والمسكين، والمكاتب، والغارم لنفسه، وابن السبيل) ، فإن فضل مع الغارم شيء بعد
قضاء دينه، أو مع المكاتب بعد أداء كتابته، أو مع الغازي بعد غزوه، أو مع ابن
السبيل بعد قفوله استرجع منهم، وإن استغنوا عن الجميع ردوه، لأنهم أخذوه للحاجة
وقد زالت الحاجة.
والباقون يأخذون أخذًا مستقرًا فلا يردون شيئًا، وهم
أربعة: الفقراء، والمساكين، والعاملون، والمؤلفة، لأن الفقراء والمساكين إنما
يأخذون ما تتم به كفايتهم، والعامل يأخذ أجرة فأشبه الفقير والمؤلفة يأخذون مع
الغنى وعدمه.
وكلام الخرقي يقتضي أن أخذ المكاتب أخذ مستقر، ووجهه أن
حاجته لا تندفع إلا بما يغنيه فأشبه الفقير، فلو لزمه رد ما أخذ بعد أداء الكتابة لبقي
فقيرًا محتاجًا.
مسألة 71: (وأربعة يجوز الدفع إليهم مع الغنى: العامل،
والمؤلف، والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين) لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم والحاجة
توجد مع الغنى.
(1/157)
باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه لا تحل الصدقة لغني ولا
لقوي مكتسب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه]
(لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب) لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» رواه النسائي،
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي»
وهو حديث حسن [رواه الترمذي] .
1 -
مسألة 72: وفي ضابط الغنى روايتان: إحداهما: أنه الكفاية
على الدوام بصناعة أو بكسب، أو أجرة أو نحوه لقوله في حديث قبيصة: «ورجل أصابته
جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش " [رواه مسلم] أو
" سدادًا من عيش» ولأن الغنى ضد الحاجة والحاجة تذهب بالكفاية وتوجد مع عدمها.
والرواية الثانية: أنه الكفاية أو ملك خمسين درهمًا أو
قيمتها من الذهب، لأن في حديث ابن مسعود «قيل: يا رسول الله ما الغنى؟ قال: خمسون
درهمًا أو قيمتها من الذهب» قال الترمذي: هذا حديث حسن، فعلى هذه إن كان له عيال
فله أن يأخذ لكل
(1/158)
(73) ولا تحل لآل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وهم بنو هاشم ومواليهم
(74) ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علوا، ولا إلى
الولد وإن سفل، ولا من تلزمه مؤنته
(75) ولا إلى كافر
(76) فأما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء وإلى غيرهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
واحد خمسين درهمًا نص عليه، إلا أن الحديث ضعيف، لأنه
يرويه حكم بن جبير، وقال البخاري: هو ضعيف.
مسألة 73: (ولا تحل لآل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وهم بنو هاشم ومواليهم) إلا لغزو أو حمالة، لأن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما الصدقات أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد
وآل محمد» وحكم مواليهم وهم معتقوهم حكمهم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- في حديث أبي رافع: «فإن موالي القوم منهم» حديث صحيح [رواه الترمذي] .
مسألة 74: (ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علوا، ولا إلى
الولد وإن سفل، ولا من تلزمه مؤنته) كالزوجة والعبد والقريب لأن نفقتهم عليه واجبة
وفي دفعها إليهم إغناء لهم عن نفسه فكأنه صرفها إلى نفسه.
مسألة 75: (ولا يجوز دفعها إلى كافر) لغير تأليف، لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» ولأنها مواساة تجب على المسلم فلم تجب
للكافر كالنفقة.
مسألة 76:
(فأما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء وإلى غيرهم)
لما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت
له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة. وعنه: لا تحل لهم
صدقة التطوع أيضًا لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنا لا تحل
لنا الصدقة» [رواه أبو داود] والأول أظهر، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «المعروف كله صدقة» متفق عليه، وقال سبحانه:
(1/159)
(77) ولا يجوز دفع الزكاة إلا بنية إلا أن يأخذها الإمام
قهرًا،
(78) وإذا دفع الزكاة إلى غير مستحقها لم يجزه
(79) إلا لغني إذا ظنه فقيرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ
لَكُمْ} [البقرة: 280] وقال تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا}
[النساء: 92] وقال تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}
[المائدة: 45] ولا خلاف في صحة العفو عن الهاشمي ونظائره.
مسألة 77: (ولا يجوز دفع الزكاة إلا بنية) لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما
نوى» (إلا أن يأخذها الإمام منه قهرًا) فتجزي بنية الإمام في الظاهر على معنى أنا
لا نطالبه بها ثانيًا، ولا تجزي في الباطن للخبر.
مسألة 78: (وإذا دفع الزكاة إلى غير مستحقها) وهو لا
يعلم ثم علم (لم تجزه) لأنه بان أنه غير مستحق، أشبه ما لو دفع الدين إلى غير
صاحبه.
مسألة 79: (إلا الغني إذا ظنه فقيرًا) وعنه لا تجزيه
كذلك، ودليل الأولى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكتفى بالظاهر
لقوله للرجلين: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني» وهذا يدل على أنه يجزئ، ولأن
الغني يختفي فاعتبار حقيقته يشق، ولهذا قال سبحانه: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ
مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]
.
1 -
مسألة 80: ومن دفعها إلى من يظنه مسلمًا فبان كافرًا، أو
حرًا فبان عبدًا أو هاشميًا، لم يجزه، رواية واحدة، لأن حال هؤلاء لا تخفى فلم
يعذر الدافع لهم بخلاف الأولى.
(1/160)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق